بسم الله الرحمن الرحيم
قصة للطفل من 8 فما فوق ..
( القوة الكامنة )
دق
جرس الفسحة بعد حصة الجغرافيا مباشرةً ، كان اليومَ الأول لي في هذه المدرسة في
المدينة المنورة بعد أن انتقلنا إليها من الرياض ، وَعَدَنا والدي بزيارة قباء
اليوم بعد العصر ، شاهدت بعض زملاء فصلي و قد تجمعوا مع زملاء أكبر من الصف الخامس
و السادس ، أردت الانضمام إليهم ؛ تقدمت و عرّفتهم بنفسي ؛ قلت إني أرغب في
صداقتهم ، نظر إليّ الأولاد الأكبر من أعلى لأسفل ثم قال أحدهم : انظروا إلى جسده
الهزيل : إنه يبدو في الصف الثاني لا الرابع ! ضحكوا جميعاً ، ثم نظر إليّ و قال
ساخراً : نحن لا نقبل صداقة الضعفاء ، انصرفوا و تركوني على وشك البكاء ، لكني حين
عدت للبيت لم أُظهر شيئاً لوالدي ، الذي استقبلني بابتسامته الواسعة أنا و إخوتي
قائلاً : هــــا هل أنتم مستعدون لزيارة قباء بعد العصر ؟
في قباء كنت سعيداً بدخول أول مسجد أسس على التقوى ، وضع حجر بنائه الرسول صلى الله عليه و سلم بيديه الشريفتين ، صليت فيه كما أخبرنا والدي أن من صلى فيه ركعتين فأكثر كان له أجر عمرة ، خرجنا بعدها و افترشنا الأرض الخلاء قريباً منه ، أخذ إخوتي يلعبون ، أمسكت أنا بيدي قبضة تراب و سألت نفسي : هل بقيت فيها ذرة لامست أقدام رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟
اعتقدت فجأة أنني جننت فقد سمعت صوتاً للحصى ! ثم : هِاي أنت تخنقنا !! يا إلهي ! هل جننت فعلاً أم أن ذرات التراب خاطبتني ؟
فتحتُ يدي و نظرت إلى التراب ؛قلت : ظننتُ أني ضعيف !
وقفت ذرة و قالت : ما يزعجك هكذا ؟! حين رويت لهم أخذوا في الضحك ! قلت : أنتم أيضاً تسخرون !!
قالت نفس الذرة : لا .. تعالَ معي ، فجأة وجدتها أمسكت يدي قلت : يـــاه ؛ لقد أصبحتِ كبيرةً جداً !! قالت : لا يا عزيزي ، لقد صغُرَ حجمك أنت ! انتظر الريح ...
فجأة ، هبّت الريحُ بشدة ، وجدتُني محمولاً معها في الهواء ، يا إلهي! كل المدينةِ تظهر من أعلى ! هدأت الريح و نزلنا على هضبةٍ ضخمة شديدة الوعورة ، قالت لي : مرحباً بك في حرة واقم ، قلت ما هذه ؟ قالت إنها الهضبة الضخمة التي تحيط بالمدينة من الشرق ، و واقم يعني حاجز ، و هو اسم الحصن الذي سُمِّيت باسمه ، تعالَ معي ..
جرت بي قليلاً ثمّ قالت : انتظر الريــــــــــــــح !
حملتنا الريح نحو الشمال و تركتنا فوق جبلٍ ضخم ، قالت الذرّة : مرحباً بك فوق أُحُد ، قلت : نعم أعرفه ؛ إنه الجبل الذي سميت باسمه غزوة أحد ، قالت : نعم ، إنه كبير ، و ممتد ، و يحمي المدينة من الشمال ، أُنظُر هناك ! قلتُ : جبلٌ أصغر !قالت : هذا جبل الرماة ، إنه الجبل الذي وقف عليه الرماة المسلمون في نفس الغزوة ؛ لكنهم خالفوا أوامر الرسول عليه الصلاة و السلام ، و نزلوا عنه فخسِرَ المسلمون تلك الغزوة ، قلت : الحربُ دائماً سِجال ؛ و الحقُّ ينتصرُ في النهاية ، هذا ما تعلمتُهُ في المدرسة.
أخذت يدي وجرت بي ثم قالت :انتظِر الريــــــــــــح !
أنزلتنا الريح هذه المرة على هضبةٍ أُخرى أقل وعورة ، قالت لي : هذه الحرة الغربية ؛ تحمي المدينة من الغرب
قلت : لماذا تُريني حدود المدينة ؟ قالت : أنا ذرة ترابٍ حديثة ، أتت بي عوامل التعرية من سنين قليلة ، هل تعرِف ماذا حكت لي ذرة ترابٍ قديمة قابلتُها حيثُ كنّا ؟ قلتُ : لا ، قالت : حكت لي قصةً قديمة ، قالت :
يوم دخل الرسول عليه الصلاة و السلام المدينة ؛ فرِح جنوب المدينة لأنه الطريق الذي دخل منه الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ المدينة ، اغتاظت الحرتان و الجبال و قالوا له : أنتَ طريقٌ مفتوح ، يدخل منك إلى المدينة كل الناس ؛ جاء الرسول إلى المدينة و أهل مكة يريدون حربه ؛ و نحن نحمي المدينة منهم من الشرق و الغرب و الشمال ، أما أنت ؛ فالسبيل الوحيد الذي سيأتي منه الأعداء ، نحن الصعب ، و أنت السهل ، نحن نعطي المدينة الأمن و الأمان ، ومن ذرّاتنا تحمل الرياح ما يُخْصِبُ أرض المدينة ؛ نحن نوفـِّر تراب الزرع و الوديان التي تجمع المطر ، نحن نكفيهم عن من سواهم ، و نحميهم مِن مَن يأتي من دربك ؛ أنت نقطة ضعف المدينة الوحيدة ؛ أنتَ نقطة الضعف "
قلت : يا إلهي ، كم هم قُساة !! قالت : إنهم حجارة ! قلتُ : و بماذا رد طريق الجنوب ؟ ، قالت : حَزِنَ كثيراً ، لكنّ الرد لم يأتِ منه بل من الأحداث !
قلت : كيف ؟ لم أفهم ! قالت : لم تكن غزوة أُحد من نصيب المسلمين ـ رغم تفاخر أُحد بنفسه ـ !
ثم أمسكت يدي و قالت : هل تجيد الدوران ؟ دُر في عكس اتجاه عقارب الساعة .
أخذت تدور بي ، و تدور ، و تدور : ألفاً و أُربعمائة و أربعين دورة ـ هكذا نطقت ـ حين توقفنا فجأة ، قالت : مرحباً بك في العام السادس من الهجرة ، انتظر الريـــــــــــــــــــــح !
هبطنا حيثُ أُناسٌ كثيرون يرتدون عباءات ، لم أتبين وجه أحد ـ فقد أوقفتني على بُعد ـ قلتُ : مَن كل هؤلاء ؟ و ما كل هذه الذرات في الهواء ؟ لمَ لا نقترب و نتعرّف بهم مثلك ؟ قالت : لا ، نحن هنا للمشاهدة فقط دون التدخل .
قلت: هنا أين ؟ قالت : جنوب المدينة ؛ و الأحزاب على وصول ، و الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ و جميع أهل المدينة يحفرون الخندق . قلت : الخـــــــنـــدق ! غزوة الخندق ؟ الأحزاب ؟ جميع العرب المشركون حين اجتمعوا في أحزابَ و جاءوا لمحاربة المسلمين و حصار المدينة ؟
قالت : نعم ، و لأن المدينة محميةٌ من الشمال و الشرق و الغرب ، فقد جاءوا من الجنوب .
لقد عايَرت الحرتان و الجبل الجنوب بذلك من قبل ، و ها هو يحدث !
لكنّ الجنوب اليوم لا أسعدَ منه ! هل تعرِف لماذا ؟ قلت : لماذا ؟
قالت : بدلاً من كونه أضعفَ نقطةٍ في المدينة أصبحَ أقواها ، فكل الصحابة هنا يحفرون الخندق ، و لن يتجاوزه الأعداء ، و الرسول ـ عليه الصلاة و السلام ـ يحفِرُهُ بيده الشريفة .
قلت : يا إلهي! أريد أن أرى رسول الله عليه الصلاة و السلام ! اقتربي بنا ؛ أُريد أن أراه !
قالت : لا زال أمامك الكثير لتفعله حتى تراه .
صحتُ أنا : لا .. أريد أن أراه الآن ! أريد ذلك .. أريد ذلك .. أريد ذلك ..
صحوت على ابتسامة والدي الحنونة و يديه الدافئتين يقول لي : إهدأ .. لقد نمتَ على التراب ، و حان وقت العودة ..ماذا كنت تريد ؟ سأُحضِرُهُ لك ..
قلت : أريد أن أشترك في نادي رياضي يا أبي !
في نهاية العام الدراسي ، كنتُ قد أتقنتُ شيئاً جيداً من الكاراتيه و فنون الدفاع عن النفس ، و لقّنتُ أحد الصِّبية ِ الكبار في الحي درساً لأنه أراد ضربَ أخي الأصغر ، و حين تناقل الجميع الخبر ؛ و وصل المدرسة و جاءَني كل من سخِروا مني سابقاً راغبين في صداقتي ، قلتُ لهم : لا ؛ لن أُصادق سوى من صادقني لنفسي ، و ليس لأنني أصبحتُ قوياً .
انصَرَفوا منكسرين ، و أنا رفعتُ نظري عالياً و تساءلت :
تُرى هل سأُغمِضُ عيني و أراهُ يومـــــــــــــاً ؟
في قباء كنت سعيداً بدخول أول مسجد أسس على التقوى ، وضع حجر بنائه الرسول صلى الله عليه و سلم بيديه الشريفتين ، صليت فيه كما أخبرنا والدي أن من صلى فيه ركعتين فأكثر كان له أجر عمرة ، خرجنا بعدها و افترشنا الأرض الخلاء قريباً منه ، أخذ إخوتي يلعبون ، أمسكت أنا بيدي قبضة تراب و سألت نفسي : هل بقيت فيها ذرة لامست أقدام رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟
اعتقدت فجأة أنني جننت فقد سمعت صوتاً للحصى ! ثم : هِاي أنت تخنقنا !! يا إلهي ! هل جننت فعلاً أم أن ذرات التراب خاطبتني ؟
فتحتُ يدي و نظرت إلى التراب ؛قلت : ظننتُ أني ضعيف !
وقفت ذرة و قالت : ما يزعجك هكذا ؟! حين رويت لهم أخذوا في الضحك ! قلت : أنتم أيضاً تسخرون !!
قالت نفس الذرة : لا .. تعالَ معي ، فجأة وجدتها أمسكت يدي قلت : يـــاه ؛ لقد أصبحتِ كبيرةً جداً !! قالت : لا يا عزيزي ، لقد صغُرَ حجمك أنت ! انتظر الريح ...
فجأة ، هبّت الريحُ بشدة ، وجدتُني محمولاً معها في الهواء ، يا إلهي! كل المدينةِ تظهر من أعلى ! هدأت الريح و نزلنا على هضبةٍ ضخمة شديدة الوعورة ، قالت لي : مرحباً بك في حرة واقم ، قلت ما هذه ؟ قالت إنها الهضبة الضخمة التي تحيط بالمدينة من الشرق ، و واقم يعني حاجز ، و هو اسم الحصن الذي سُمِّيت باسمه ، تعالَ معي ..
جرت بي قليلاً ثمّ قالت : انتظر الريــــــــــــــح !
حملتنا الريح نحو الشمال و تركتنا فوق جبلٍ ضخم ، قالت الذرّة : مرحباً بك فوق أُحُد ، قلت : نعم أعرفه ؛ إنه الجبل الذي سميت باسمه غزوة أحد ، قالت : نعم ، إنه كبير ، و ممتد ، و يحمي المدينة من الشمال ، أُنظُر هناك ! قلتُ : جبلٌ أصغر !قالت : هذا جبل الرماة ، إنه الجبل الذي وقف عليه الرماة المسلمون في نفس الغزوة ؛ لكنهم خالفوا أوامر الرسول عليه الصلاة و السلام ، و نزلوا عنه فخسِرَ المسلمون تلك الغزوة ، قلت : الحربُ دائماً سِجال ؛ و الحقُّ ينتصرُ في النهاية ، هذا ما تعلمتُهُ في المدرسة.
أخذت يدي وجرت بي ثم قالت :انتظِر الريــــــــــــح !
أنزلتنا الريح هذه المرة على هضبةٍ أُخرى أقل وعورة ، قالت لي : هذه الحرة الغربية ؛ تحمي المدينة من الغرب
قلت : لماذا تُريني حدود المدينة ؟ قالت : أنا ذرة ترابٍ حديثة ، أتت بي عوامل التعرية من سنين قليلة ، هل تعرِف ماذا حكت لي ذرة ترابٍ قديمة قابلتُها حيثُ كنّا ؟ قلتُ : لا ، قالت : حكت لي قصةً قديمة ، قالت :
يوم دخل الرسول عليه الصلاة و السلام المدينة ؛ فرِح جنوب المدينة لأنه الطريق الذي دخل منه الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ المدينة ، اغتاظت الحرتان و الجبال و قالوا له : أنتَ طريقٌ مفتوح ، يدخل منك إلى المدينة كل الناس ؛ جاء الرسول إلى المدينة و أهل مكة يريدون حربه ؛ و نحن نحمي المدينة منهم من الشرق و الغرب و الشمال ، أما أنت ؛ فالسبيل الوحيد الذي سيأتي منه الأعداء ، نحن الصعب ، و أنت السهل ، نحن نعطي المدينة الأمن و الأمان ، ومن ذرّاتنا تحمل الرياح ما يُخْصِبُ أرض المدينة ؛ نحن نوفـِّر تراب الزرع و الوديان التي تجمع المطر ، نحن نكفيهم عن من سواهم ، و نحميهم مِن مَن يأتي من دربك ؛ أنت نقطة ضعف المدينة الوحيدة ؛ أنتَ نقطة الضعف "
قلت : يا إلهي ، كم هم قُساة !! قالت : إنهم حجارة ! قلتُ : و بماذا رد طريق الجنوب ؟ ، قالت : حَزِنَ كثيراً ، لكنّ الرد لم يأتِ منه بل من الأحداث !
قلت : كيف ؟ لم أفهم ! قالت : لم تكن غزوة أُحد من نصيب المسلمين ـ رغم تفاخر أُحد بنفسه ـ !
ثم أمسكت يدي و قالت : هل تجيد الدوران ؟ دُر في عكس اتجاه عقارب الساعة .
أخذت تدور بي ، و تدور ، و تدور : ألفاً و أُربعمائة و أربعين دورة ـ هكذا نطقت ـ حين توقفنا فجأة ، قالت : مرحباً بك في العام السادس من الهجرة ، انتظر الريـــــــــــــــــــــح !
هبطنا حيثُ أُناسٌ كثيرون يرتدون عباءات ، لم أتبين وجه أحد ـ فقد أوقفتني على بُعد ـ قلتُ : مَن كل هؤلاء ؟ و ما كل هذه الذرات في الهواء ؟ لمَ لا نقترب و نتعرّف بهم مثلك ؟ قالت : لا ، نحن هنا للمشاهدة فقط دون التدخل .
قلت: هنا أين ؟ قالت : جنوب المدينة ؛ و الأحزاب على وصول ، و الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ و جميع أهل المدينة يحفرون الخندق . قلت : الخـــــــنـــدق ! غزوة الخندق ؟ الأحزاب ؟ جميع العرب المشركون حين اجتمعوا في أحزابَ و جاءوا لمحاربة المسلمين و حصار المدينة ؟
قالت : نعم ، و لأن المدينة محميةٌ من الشمال و الشرق و الغرب ، فقد جاءوا من الجنوب .
لقد عايَرت الحرتان و الجبل الجنوب بذلك من قبل ، و ها هو يحدث !
لكنّ الجنوب اليوم لا أسعدَ منه ! هل تعرِف لماذا ؟ قلت : لماذا ؟
قالت : بدلاً من كونه أضعفَ نقطةٍ في المدينة أصبحَ أقواها ، فكل الصحابة هنا يحفرون الخندق ، و لن يتجاوزه الأعداء ، و الرسول ـ عليه الصلاة و السلام ـ يحفِرُهُ بيده الشريفة .
قلت : يا إلهي! أريد أن أرى رسول الله عليه الصلاة و السلام ! اقتربي بنا ؛ أُريد أن أراه !
قالت : لا زال أمامك الكثير لتفعله حتى تراه .
صحتُ أنا : لا .. أريد أن أراه الآن ! أريد ذلك .. أريد ذلك .. أريد ذلك ..
صحوت على ابتسامة والدي الحنونة و يديه الدافئتين يقول لي : إهدأ .. لقد نمتَ على التراب ، و حان وقت العودة ..ماذا كنت تريد ؟ سأُحضِرُهُ لك ..
قلت : أريد أن أشترك في نادي رياضي يا أبي !
في نهاية العام الدراسي ، كنتُ قد أتقنتُ شيئاً جيداً من الكاراتيه و فنون الدفاع عن النفس ، و لقّنتُ أحد الصِّبية ِ الكبار في الحي درساً لأنه أراد ضربَ أخي الأصغر ، و حين تناقل الجميع الخبر ؛ و وصل المدرسة و جاءَني كل من سخِروا مني سابقاً راغبين في صداقتي ، قلتُ لهم : لا ؛ لن أُصادق سوى من صادقني لنفسي ، و ليس لأنني أصبحتُ قوياً .
انصَرَفوا منكسرين ، و أنا رفعتُ نظري عالياً و تساءلت :
تُرى هل سأُغمِضُ عيني و أراهُ يومـــــــــــــاً ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق