بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة ..
( المفقود )
أيتها الطيوور
..
أيتها الطيوووور ...
هل ترينني ؟
هل أنتِ ابنتها ؟
ابنة ابنة ابنتها ؟؟
تلك الطيور التي رأتني أصرخ داخل هذا الصرح الزجاجي أول
مرة ؟
أيتها الطيووور ..
كيف هي مليسّا ؟
هل شاب شعرها مثلي ؟
لا .. لن أسألك إن كانت لا زالت حية ؛ لا !!
أيتها الطيوور ..
ألن ترضي عني و تدخلي من فتحة القبة لتحمليني خارج هذا
السجن اللعين ؟
ألا يغريك كل هذا الذهب و كل تلك الجواهر كما أغرتني !!
أيتها الطيور ..
ألستِ حمقاء كفايةً لتدخلي من تلك الفتحة اللعينة التي
أبقتني كل تلك السنين على قيد الحياة ؟
لك أجنحة !
ليس لي أجنحة !
ستخرجين !
أيتها الطيوور ..
هذا الأحمق لا يستطيع حتى التسلق لتلك الفتحة !
الزجاج الأملس الشفاف يبقيه أرضاً ينظر لأعلى دوماً في
انتظار إحسان الريح التي تهز الأشجار الباسقة فتساقط الثمار الخضراء و الصفراء و
الحمراء ..
ليأكل و يعيش و يُلقي ببذورها في ذلك الثقب اللعين الذي
يشبه البالوعة يصرِّف مياه الأمطار و ما يصدر عنه من قاذورات !
أين ؟
أين ينتهي ؟؟
حاولت تحطيمه بصولجانات الذهب و جواهر التيجان ؛ لكنه لا
ينكسر ؛ لم يتسع و لا حتى إنشاً واحداً !!
أيتها الطيور ..
ادخلي فقط لأحمّلك رسالة لمليسّا من دفتر مذكراتي الذي
انتهت صفحاته الستين بعدد السنين التي قضيتها أصرخ ألماً من عذاب السجن و الوحدة !
صرخت فرحاً بالاكتشاف العظيم ساعةً كاملة أحسستها حتى
ولو كانت ساعتي توقفت من حينِ وضعتُ الخاتم اللعين الذي وجدته في إصبعي فسحبني
ككلب نحو مكان الرمز المحفور و كأنه يأمرني أمراً أن أضعه عليه .. وهكذا فعلت !
و هكذا دخلت !
وهكذا رحتُ أركض صارخاً كالمجنون حتى ارتميت على كرسي
العرش الذهبي هذا و رحت أتمرغ في قطع الذهب و الجواهر كما يتمرغ خنزيرٌ في الطين!
حتى رأيتُ مليسّا و باقي بعثة الآثار ينادون عليّ على
بُعد أمتار دون أن أسمع صوتهم !
ناديتهم ثمّ ركضتُ نحوهم لكني اصطدمت بزجاج !
كانت عينا مليسا في عينيّ و أنا أدق على الزجاج بقبضتيّ
بكل قوتي و أصرخ بأعلى صوتي باسمها لكنها لم ترني !! لم تسمعني !!
تركوني و ذهبوا يبحثون في مكان آخر !!
تحوّل صراخي إلى عويل !
تحولت فرحتي إلى رعب !
تحولّ اكتشافي إلى خيبة !
تحولت الجنة التي تمثلت أمامي ما إن رأيت ما رأيت إلى
جحيم !
تحول القصر إلى
سجن !
أين الباب اللعين ؟
أيها الخاتم : أين الرمز اللعين ؟؟
أيها القصر الزجاجي الملعون : لماذا لا ينكسر زجاجك
الملعون مثلك ؟
أيتها الطيور ..
ألن ترحميني ؟؟
أيُّها الثقب الملعون : لمَ لا تبتلعني كبذرة ثمرةٍ
مأكولة ؟
ما عدتُ أريد شيئاً من كنزك الملعون هذا ! تباً لك
فلتبتلعني كما تبتلع خاتمك الملعون هذا ؛ خذه !
خذه .. ها أنا أخلعه من إصبعي و أرميه في بالوعتك
الملعونة خذه ! ابتلعه !
متى تبتلع عظامي بعد أن أموت و تتحلل جثتي و تتفكك عظامي
فتدخل فيك و أهرب من قصرك الملعون هذا حتى لو كنتُ تراباً متى ؟؟ خذ خاتمك الملعون
؛ خذهُ و كنوزَك الملعونة و أعطني عمري الذي سرقتَه بين جدران قصرك الشفافة
الملعونة ؛ خذه و أعطني و لو لحظةَ حريّةٍ واحدةٍ بعيداً عن لعنتك يا ملعون خذه
فقط ؛ خذه ابتلعه و ابتلعني فقط ! خذه خذه خذه !!
.......................
ـ جورج الحمد لله أننا وجدناك !
= مليسا يا إلهي ! أنتِ .. أنتِ لازلتِ شابة !!
.....................
عدتُ شاباً !!!
ثيابي كما هي !
قالوا لي أني ضعت منهم ساعةً واحدةً فقط !
ستون عاماً ساعةٌ واحدةٌ فقط !!
لا أحد صدقني !
أو بالأحرى ...
أنا لم أصدقهم !!
كل شيءٍ كان كما هو !
كل شيءٍ كان موجوداً ..
تماماً كما هو !!
إلا شيئاً واحداً فقط كان مفقوداً ..
شيئاً واحداً فقط فقدته ..
إحــســاســي بـ مـلـيـسّــا !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق