بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة ..
( المـــواجــــــهـــــــــة !)
سدّ الفضاء أمامي بجسده الضخم شبه الممزق و رقبته
المقطوعة بعروقها الجارية بالدماء على ثيابه المصبوغةِ بلونها و وجهٍ أسودَ من
الليل البهيم الذي خرجتُ فيه أجري و أنكفئ على وجهي لألحق بأبي في البلدة المجاورة
و قد اتصلوا بي لأَحضُرَه قبل أن تصعد روحه لخالقها فأخذتُ الطريق القديم المختصر
الذي لا يطرقه أحد لأجد هذا أمامي !
جمُدتُ أمامه و قد سحبتْ أنفاسه الهواء حتى ثقل و ما عدتُ
أجد نفساً أسحبه رغم صعود و هبوط صدري حتى كاد يلتصقَ بظهري !
صاح بي و قد أبدت ابتسامته الشامتة الشريرة أنياباً تقطر
دماً :
منذ عشر سنوات لم يجرؤ إنسانٌ على وطء هذا الطريق ؛
سأمنحك دقيقة لتخبرني ما الذي جرّأك على العبور من هنا قبل أن أمزق جسدك و أقطع
رقبتك المتطاولة أيها الإنسيُّ الحقير !
ارتعدتْ أوصالي حتى ارتجفَ الدمُ داخل عروقي و سألت نفسي
: هل أجثو على ركبتيّ و أبكي و أستعطفه أن يرحمني و يتركني أعبر لأُلقيَ على والدي
نظرة الوداع و أعده أن لا تطأ قدمي طريقه مرةً أخرى و أني سأسير بين الناس بتأكيد
النصيحة أن لا تسيروا من الطريق القديم لأن له سيّده ـ لكنّ صُورَتَهُ هذه لن ترحم
طفلاً حتى ـ !!
زادت ابتسامته الشريرة و كاد يخطو نحوي فصحتُ به بصوتٍ
حاولت رفعه قدر استطاعتي :
جئتُ من هذا الطريق لأنفذ وصية أبي قبل موته و أسألك
السؤال الذي طلب مني أن أسأله لك ..
نظر إليّ متشككاً و قد أعاد قدمه موطئها و لمعت عيناه و
هو يسألني بسخرية :
أبوك أوصاك أن تسألني أنا ؟؟
قلت واثقاً رغم
ما استبد بي من خوف :
نعم ؛ نصحني نصيحة ثم طلب مني أن أسألك سؤالاً !
قهقه عالياً حتى انخلع قلبي !! ثم نظر إليَّ بتحدٍ و
تشَفٍّ و زادت سخريته و هو يقول:
حقاً ؟! لقد أوردك أبوك في المهالك ! بمَ نصحك إذن و ما
هو السؤال ؟؟
أردت أن أبتلع ريقي فلم أجده فجاهدتُ حتى أُخرِجَ صوتي و
قد صبغتُه بكِبرٍ استمددتُه من صوت أبي و هو يعلمني ما علمني و صحتُ :
قال لي :
ولدي نصحتك
لما صوتي اتنبــــــــــــح
ما تخفش
من جني و لا من شبـــــــــح
و ان هب فيك عفريت قتيل إسألـــــــــه....
نظرتُ
إليه و قد وجم وجهه و هو ينتظر السؤال فصحتُ به مردِّداً بكل قوتي:
ما
دافعش ليه عن نفسه يوم ما اندبح؟
مـا
دافـعــش لـيـه عـن نفـسـه يـوم مـا انـــدبــح؟؟
مـا
دافـــعــــش لــيــه عـن نـفـســه يــوم مــا انــدبــــــح؟؟؟
اتسعت عيناه في ذهول و هو ينظر إليّ ثم صرخ صرخةً كادت
تذهبُ معها نفسي !!
ثم اخـتـفـى !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق