بسم
الله الرحمن الرحيم
قصة للطفل من 8 ـ 12 ..
)سيد
الأخلاق(
في يومٍ ما ..
منذ القدم يوم ظهر الإنسان على الأرض وعاش وأصبح هناك أناسٌ آخرون يتعامل معهم بأخلاق كثيرة منها الحسن ومنها السيء وأصبح يعرف معاني كثيرة منها الحسن ومنها السيء ، عند ذلك اجتمعت المعاني الحسنة الجميلة والأخلاق الحسنة وقالوا:
نحن المعاني الجميلة والأخلاق الحسنة لا نستغني عن بعضنا أبداً.
ثم قالت المعاني الجميلة للأخلاق الحسنة: لابد من استبعاد الأخلاق السيئة وأن لا تطلق كلمة الأخلاق إلا على مكارم الأخلاق فقط.
قالت الأخلاق: نحن موافقون على ذلك ؛ ومنذ الآن كلما قال الناس "الأخلاق" فلابد أن يقصدوا بذلك الأخلاق الجميلة، أما إذا أرادوا غير ذلك فلابد أن يحددوا ويقولوا: سيء الأخلاق أو الأخلاق السيئة .
ومن حينها حين يقول الناس (الأخلاق) فإنهم يقصدون فقط الأخلاق الحسنة الجميلة .
ثم اجتمعت المعاني الجميلة والأخلاق ثانيةً.. فقالت المعاني للأخلاق:
أنتم كثيرون لابد لكم من سيد يرأسكم .
قالت الأخلاق للمعاني: أنتم المعاني الجميلة.. كل معنىً منكم يشتمل على عدة أخلاق منا ؛ لذا اختاروا من بينكم حكماً يحكم من منا يكون السيد..
قالت المعاني الجميلة: إذن .. من منا يرشح نفسه للحكم ؟ على أن يخبرنا لماذا رشح نفسه..
قال الجمال: أنا الجمال.. داخلٌ في كل خلق حسن، بدوني لا يكون الشيء الجميل جميلاً، أنا من يحبه الناس في كل شيء.
قالت القوّة: قد يكون الضعيف جميلاً فلا ينفعه جماله بل قد يصبح جماله نقمةً عليه، وقد يكون الإنسان جميل المظهر ولكنه قبيح الجوهر شرير ،فالحية - مثلاً- جلدها ناعمٌ ملون لكنها سامة مميتة ، أما أنا .. فأنا "القوّة" بي يُنصر المظلوم ويُنتَقمُ من الظالم، بي يبني الإنسان ويعمُر، ولو لم يكن الإنسان قوياً لهلك..
قال الغنى: ليس كلّ قويٍّ عادل.. فكما تستخدم القوة في العدل يستخدمها الظالم في الجور.. وكما يبني بها الإنسان الطيب يهدم بها الإنسان الشرير. لكن أنا "الغنى" أنا –المال- أنا من يُطعم الجائع ويَسقي العطشان ويَكسي العريان ويُؤوي الإنسان ..الحياة لا تقوم إلا بي، ويفتخر الناس بي، ويعيشون عمرهم يركضون خلفي، أنا بهاء الحياة ونشوتها.
قالت الرئاسة: السلطة أقوى من المال والمال خادمها؛ أنا أصْلَحُ للحكم..
قالت المساواة: كلاكما إذا وقع في يد الإنسان السيء استخدمه ضد الإنسانية ، لكني أسوِّي بين الغنيِّ والفقير ، والقويِّ والضعيف ، الجميل والغير الجميل..
قال العمل: من يحكم لابد أن يفاضل فلا يسوِّي بين من يستحق ومن لا يستحق ، من يعمل يستحق ؛ ومن لا يعمل لا يستحق ..
قال الاجتهاد: أنا أشمل منك.. فكل إنسان يعمل لكن المجتهد فقط هو من يصل إلى أعلى المراتب..
قال الإتقان: من يعمل ويجتهد لابدّ أن يكون متقناً ، فبالعمل والاجتهاد يصل الإنسان إلى الإتقان ؛ وبهذا أكون الأحق بالتحكيم..
قال الإحسان: قد تحول الظروف بين الإنسان و الاجتهاد فقد يمرض - فأين الإحسان- ؟ لو ذهب الإحسان من بين الناس لما أصبحوا ناساً..
قالت التضحية: "كلامك جميل".. أضحي بالتحكيم لك أو لمن يريد من إخوتي من المعاني الجميلة ..
قالت الصداقة: أنا من أجمل المعاني، أنا من أرقى العلاقات الإنسانية، أنا من يجدني الصديق في الفرح والترح ، وفي الحلّ و الترحال، وفي الرخاء و الشِّدة، ما عاش من مات وليس له صديق..
قال الحب: أنا أسمى وأرقى.. فقد يصادق الإنسان للمصلحة، وقد يستفيد الصديق من صديقه ، لكنّي "الحب" .. أنا من يجعل إنساناً يحب آخرَ فيعطي دون أن يأخذ ؛ ويضحي دون أن ينتظر حتى كلمة شكر، أنا بين الأب والابن ، وبين الأخ والأخت ، وبين الحبيب و الحبيبة ..
قال العدل: هذا ليس عدلاً ؛ فقد يحب إنسان شخصاً لا يستحق .. وقد يحب الأب ابنه ثم يكون هذا الابن عاقاً .. أمِن العدل أن يستوي البارُّ والعاق ؟؟ أنا "العدل" أحكم بالعدل .. وهل هناك خيرٌ من العدل؟!
قال الفضل: أنا.. أنا أفضل من العدل ، من العدل أن تكافئ من أحسن إليك لكن من الفضل أن تزيده على ما أعطاك ، ومن العدل أن تعاقب من آذاك لكن من الفضل أن تعفوَ عنه ..
قالت البصيرة: أنا "البصيرة" أنا بصر المؤمن.. أنا أرى الخفي وأشعر بما لا تدركه الحواس ؛ أنا خيرُ حكم..
قالت الحكمة: "البصيرة" من أرقى المعاني .. لكنّ الإنسان لا يفهم إلا ما يراه أو يسمعه أو يعقله ؛ والحكم بالبصيرة يفهمه بعض الناس فقط ؛ أما من لا يفهمونه فلا يرضَوْن بالحكم .. وخير ما يُحكم به هو "الحكمة" فهي تجمع كل المعاني الجميلة فتوازن؛ وتقارن؛ وتنظر من كل الجهات؛ وتهتم بالصغيرة و الكبيرة؛ ثم تستعمل البصيرة فتمزج الظاهر بالباطن ثم تحكم.. فلا يصدر عنها إلا حكمة ..
قالت المعاني الجميلة بصوتٍ واحد:
أنتِ "الحكمة" خير حكم..
لقد انتخبناك بالإجماع..
قالت الحكمة: أشكر لكم حكمتكم..
والآن أيتها الأخلاق: من منكم يريد أن يكون السيد؟ ومن ترون أنه يصلح لذلك؟
قالت الشجاعة: أنا الأصلح للسيادة .. لا بد للسيد أن يكون شجاعاً.
قالت الطيبة: ألا تكفي "الطيبة"؟! إن أفضل شيء في الإنسان - قلبه الطيب-..
قالت الحكمة: الشجاعة مطلوبة .. لكن قد تصبح في بعض الأحوال تهوراً، وقد يكون الإنسان طيباً لكنّ طيبته قد تسمح لإنسان لئيم أن يسخر منه..
قالت الصراحة: الصراحة أنه لا يصلح للسيادة سواي .. فأنا أقول الحقيقةَ في وجه الإنسان دون خوف..
قالت الحكمة: الصراحة جميلة .. لكن المجاملة مطلوبة أيضاً.. فلا يصح أن تقول لمن لم يهبه الله الجمال : إنك قبيح !
إنَّ هذا خطأ .. كل انسان مُعرَّضٌ لما لا يحبه ؛ ولا تصلح الصراحة هنا بل لا بد من اللطف في التعامل ..
قال اللطف: هل هذا يعني أنك قد حكمت لي بالسيادة؟؟
قالت الحكمة: ما أحسن الإنسان اللطيف.. لكن لك إخوة هم في مثل درجتك..
قالت الرحمة : نعم إنهم أبنائي : العطف والرفق و الرقة و الرأفة ..
قال الصدق: إذن أنت أولى؛ فأنت الأم وهم الأبناء.. أنت الأصل وهم الفروع..
قال الإيثار: لقد آثر الصدق الرحمة على نفسه..-وهي تستحق- وأنا أوثرهما على نفسي -لأني أنا الإيثار-.
قال التواضع: أتواضع أمام هذا التعامل الراقي وأُخرِج نفسي من المنافسة ..
قالت المروءة : هذه هي المروءة.. ومادام التواضع قد بلغ منزلتي ، ومادام قد أخرج نفسه من المنافسة ؛ فإني أرشح الشهامة بدلاً مني فالإنسان الشهم ذو مروءةٍ عالية..
قالت الشهامة: لا أجد ما أشكرك به سوى أن أطلب أن يكون الشكر نفسه سيداً للأخلاق..
قال الشكر: هذا كرم عظيم منكم لذا أدين بالشكر للكرم..
قال الكرم: إخلاصكم لبعضكم قد أثّر فيّ ، لذا أرى أن الإخلاص هو سيد الأخلاق.
قال الوفاء: أوافقك الرأي وسأظل تابعاً وفياً له..
قالت العزّة بالنفس: أنا "العزة" أحفظ للإنسان كرامته .. وأرشّح نفسي أمام الإخلاص..
قال التسامح: - رغم المنافسة- لابد أن تظل قلوبنا نقيةً يملؤها الصفاء.
قال النقاء: انظروا من يختبئ خلفي ويستحي من الظهور!
قال الصفاء: إنه "الحياء" إنه خلق رفيع لماذا لا ننتخبه؟
ولشدة حياء الحياء لم يتكلم!
قال الصبر: لقد صبرت حتى النهاية .. نعم الحياء من الإيمان .. لكن لابدّ أن لا يستحي الإنسان من الحق.. وقد صبرت في انتظار حكم الحكمة وصبرتم معي ؛ فلِمَ لا يكون الصبر هو سيد الأخلاق؟
قالت الحكمة : نعم لقد صبرتم على صمتي.. لكني أعطيت لكم المجال لكي تقولوا ما لديكم - ولقد كنتم (الأخلاقَ) فعلاً-، ولكنّ سيد الأخلاق ليس أحداً ممن تكلموا..
قالت الأخلاق في صوتٍ واحد: إذن فمن هو؟!
قالت الحكمة: إنه (الحِلم)..
قالت الأخلاق متعجبةً: الحِلم؟!!
قالت الحكمة: نعم (الحِلم) ثم نظرت إلى "الصبر" وقالت:
الإنسان الحليم صبورٌ جداً ؛ يصبر على الأذى حتى لو كان من أقرب الناس إليه وحتى لو كان من عدوه فهو حكيمٌ في صبره..
ثم نظرت إلى "الحياء" وقالت: وهو شديد الحياء ويظل قلبه نقياً صافياً..
قالت هذا وهي تنظر إلى "النقاء" و"الصفاء" ، ثم نظرت إلى "التسامح" وقالت : فهو يتسامح مع جميع الناس ، ومع ذلك يا "عِزّة" يظل عزيزَ النفس لأنه لا يتسامح عن ضعفٍ بل عن قوّة ؛ وهذه هي "الشجاعة" وهي في نفس الوقت قمة "الطيبة" ، ورغم "صدقه" يا "صراحة" إلا أنه لا يؤذي الناس بإظهار عيوبهم ، بل "يتواضع" ، ويتعامل معهم بكل "لطف" و"رفق" و "رقّة" و"رأفة" ؛ فهو "يرحم" ضعفَ الناس حتى يظن الناس أنه هو الضعيف ؛ رغم أنه هو "القوي" فهو يؤثر أن يسكت على أن يؤذي مشاعرهم حتى لو كانوا مخطئين في حقه وهذه هي "المروءة" و"الشهامة" ، إن (الحليم) إنسان "كريم النفس" "شكور" باللسان وبالعمل ، وهو شديد "الإخلاص" و"الوفاء" لمن "يصادق"..
ثم قالت للأخلاق: ولهذا إن نظرتم إلى (الحليم) لوجدتم أنكم جميعاً أخلاق هذا الإنسان ؛ ف (الحلم) جمعكم و- ما يجمع الكلَّ إلا سيدُه؟- لذا رأيت أن (الحلم) هو سيدكم، فهل أنتم راضون بحكمي؟
صاحت الأخلاق في صوتٍ واحد:
أنت (الحكمة) ولا نرضى لحكمك بديلاً..
ثم عملت الأخلاق (تاج الكرامة) وألبسوه للحلم..
ومن يومها عرف الناس أن (الحلم) هو سيد الأخلاق، وظلوا يعرفون ذلك حتى جاء العرب وعرفوا أن الحلم هو سيد الأخلاق فقالوا قولتهم الشهيرة:
)الحلم سيد الأخلاق).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق