بسم
الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة ..
(حالة حرب)
جلس على طرف السرير وأخذ يتكلم :
ـ ها ماذا أفعل ها؟ قل لي ..قل لي .. ماذا أفعل ؟
أنا أقسِّم مرتبي على الأيام .. أعيش يوماً بيوم ..أحمد الله على انتهاء اليوم ، وأستعيذ بالله من اليوم الذي يليه !
إن أصيب أحد أطفالي بمرض؛ توجعت أنا من رعب أجرة الكشف ومن ثمن العلاج .. وأتمزق ألماً إن كان ذلك في آخر الشهر !
ماذا أفعل ها ..
ماذا أفعل ؟؟.. أنا .. أنا لا أشتري شيئاً حتى ينفد ما قبله ، وتظل المسكينة تنبِّه وتصرخ أنه سينفد ، وأنه قد نفد! حتى أحضره :كيس الأرز بكيس الأرز .. وكيس السكر بكيس السكر .. الصابونة حتى تصبح " بروة " غير مرئية ثم تضعها زوجتي في مياه الغسيل لتساعد مع المسحوق !!
لو تأخر مرتبي يوماً ماذا أفعل ها ؟
قل لي ماذا أفعل ؟ من أين نأكل ؟ من أين أجلب لهم طعاماً ؟؟ سنموت جوعاً .. نعم سنموت جوعاً وعطشاً .. نعم عطشاً .. فلن أستطيع دفع فاتورة الماء فيقطعونه عنا ..
ولن أملك الإيجار فيطردني المالك ؛ وأظل أستسمحه وأستعطفه وأقول له : أنا صاحب أطفال أين أذهب .. ماذا أفعل ؟ فيقول لي أنا أيضاً صاحب أطفال! من أين أطعمهم إذا لم تدفع أنت وأمثالك الأجرة ؟؟
ولنفترض أنني أخذتهم معي إلى بيت أخي في البلد أليست البلد أأمن .. نعم .. نعم إنها آمن من المدن طبعاً ، لماذا يضربون الريف ؟ إنهم يريدون الإستيلاء على المدن ..
وهناك في البلد المياه متوفرة من "الطلمبة" ، والطعام من الزرع ..
نعم إنها فكرة رائعة.. وأوفِّر الأجرة والكهرباء والماء وكل شيء .. كل شيء ..
مهلاً .. مهلاً .. لا .. لا.. ماذا لو وضعوا خطة لضرب القرى حتى يمنعوا أهلها من إمداد المدن بالطعام ؟!
بل ماذا لو أنزلوا قوات بريّة ؟؟ إن أول إنزال سيكون في الخلاء ، ثم يستولون على القرى أولاً ، ويعيثون فيها فساداً بعد أن يفصلوها عن الحضر ويخرِّبوها قريةً قرية ولا سبيل للنجاة !!
لا .. لا .. لن أذهب للبلد لا ..
ولكن افرض أنني بقيت هنا .. أين الملاجئ التي يتحدثون عنها في الأفلام ؟ وهل تكفي كل هذه الملايين؟ ثم هل هناك ملجأ يصلح الآن للنجاة مما صنعه الأعداء ؟
ولنفترض أننا دخلنا ملجأ ؛ من أين لنا بالطعام والماء وأنا لا أملك شراء خزين يومين؟!
وإن قُطِع عني المرتب فلن يحتاج الأعداء لقنابلهم أبداً ..
ومن أين ستوفر لنا الحكومة الخدمات حينها ؟!
لا مرتب .. لا كهرباء .. لا ماء .. نعم لا ماء!!
وماذا تفعل المرأة بالطفلة الصغيرة التي تغسل سروالها ما إن تبلله حتى يجف قبل أن ينتهي ما لديها من سراويل .. ها ؟ هل تظل الطفلة عارية أم ترتدي المبلل؟ وماذا بعد إن تبلله ثانيةً ؟! والمصيبة الكبرى هي البراز وليست وحدها في هذا !
الماء .. الماء .. أريد ماء .. نريد ماء ..
ماء ... ماء ... ماء
نظر إليه اثنان عبر النافذ الزجاجية وتولى أحدهما الكلام :
ـ إنه على هذه الحال منذ جاء يا دكتور صبري ..لقد أحضره المارة لاعتقادهم أنه"يمأمئ" كالعنز ! لكن زميله في العمل رآهم وجاء معه وصحح لنا معنى ماء ، وقال إنه بدأ يتحدث بهذا الشكل مع زملائه في العمل منذ هجوم أمريكا على العراق ..ثم أصبح يتكلم هكذا مع المواطنين المتعاملين مع المصلحة التي يعمل بها .. ثم أصبح يتكلم هكذا في المواصلات ومع كل من يقابله!
حتى رآه يوم الأحد الماضي وقد تجمهر حوله الناس وهو يقول : ماء .. ماء وقد طلبونا له فحضر معهم ..
وقد سألناه عن أهله فقال إنه لا يعرفهم ..
وقد سألنا عن عنوانه شؤون العاملين عندهم وذهبنا إليه فقال لنا الجيران :إنهم قد تركوا المسكن وانتقلوا إلى آخر، ولم يخبرهم- صاحبنا- عن مكانه !
نحن في الحقيقة ننتظر أن يخطرنا القسم عن بلاغ من أهله بمواصفاته ..
ونهتم ببرنامج المفقودين على القناة الثالثة، وصورهم في أبواب ابحث مع الشرطة في الجرائد ..
في الحقيقة له الحق في أن يجن !!
ها .. ما رأيك هل تستلم هذه الحالة ؟
أجاب الدكتور صبري :.
لا شكراً .. أرى أنك تستحقها أكثر مني فأنت تملك "الدِّش" ، وتهتم بالسياسة .. بالمناسبة :
ما هي العقارات التي وصفتَها له ؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق