بسم
الله الرحمن الرحيم
قصة
قصيرة ..
( الأسطورة )
منذ القدم ، منذ أوجد الله الأرض و دارت حول الشمس تستمد منها الدفء و النور؛ أحبتها الشمس ، و سطعت على بحارها تشاهد صورتها الجميلة المنعكسة على صفحة مياهها .. و أحبتها المياه و تاقت أن تطير لتصل إليها ؛ فتبخَّرت من حرارة اللقاء مع أشعة الشمس حتى وصلت السحاب .. وكانت كلما غربت الشمس تبكي على فراقها فتنهمر دموعاً عذبة تروي الأرض بالحب فتُنْبِتُ الأشجار و الأزهار ، ثم تنهمر فتتخلل الأرض و تتجمع مياهاً جوفية تشتاق لمن يخرجها للنور من جديد ، ثم تنهمر و تنهمر فتغسل الجبال و تسيل في الأودية و تحفر مجرىً هائلاً تجري فيه بشوق لتصل إلى البحر ؛ فتصافح الشمس وتصعد إليها من جديد . من هنا وُجدت الأنهار ، و وجد النيل أطول مجرىً للماء على وجه الأرض في رحلته لنور الشمس ؛ لذا أحبته الشمس واعتبرته ابنها البكر ، و أحبها النيل كالأم الكريمة ، وصار بينهما رباط كالحبل السري بين الأم و الجنين .
و في يومٍ ما سطعت الشمس كعادتها على ابنها البكر ، ولما تبخّرت أول قطرة من مائه تعجبت الشمس من ملوحتها !
ولما نظرت إلى صفحته رأت موجاته تنكسر وتنكسر معها صورتها و تمتلئ بالتجاعيد ! و قبل أن تسأله نظرت تحتها فانتبهت : عناكبُ ضخمة تملأ سيناء و تحيك شباكها على رمالها الذهبية ، فئرانٌ تحفر أرضها و جرادٌ يجوب سماءها !
و على الضفة الغربية لقناة السويس وبطول مصر وعرضها كانت تفيض دموع أبناء النيل تملؤها المرارة ، والنيل بكل حلاوته يقاوم ويجري بها بكل قوته ليلقيها بعيداً في البحر ، و يجري يسقي الأرض حتى لو كلَّت يد الفلاّح عن فتح القناة بضربة فأس .. و يجري فيغسل وجوه أبنائه حتى لو لم يرفعوا ماءَهُ بأيديهم إليها .
لم تنطق الشمس ؛ وانطلقت نحو الغروب سريعاً ..
صاحت بها السماء : إلى أين ؟! ردَّت : إلى حيث تعلمين .
و أخذت الشمس تسبح في الفضاء هائمةً على وجهها حتى وصلت تحت عرش الرحمن ، وسجدت ، وظلّت ساجدة تدعو الخالق أن يمُنَّ على أبناء ابنها بالرحمة والنور .
أما النيل والسماء فقد اتفقا أن يعكس ماؤه صورة الشمس التي لا تفارق قطراته ؛ وأن تحفظها السماء و تنشرها على كل الأرض ..
وهكذا لم يشعر أهل الأرض جميعاً بغياب الشمس ؛ فقد أضاء النيل أرجاء المعمورة بشمسه ..
وانطلق يجرف التبِّر من الجبال يحمله طميه الأحمر يُسَمِّدُ به أرض المحروسة لتطعم من نتاجه المخلوقين منه ـ أبناء النيل ـ الذين وقفوا على الضفة الغربية للقناة وقد أقسموا أن يقتلوا الظلام و أن لا يحْيَوْا إلا تحت شمس الحقيقة .
هناك قويت أبدانهم ، و صفت أرواحهم حتى أضاءت وجوههم بالنور .
وسارت شموع الطين تحارب نبت الظلام ،تتقاطر أجسادها على أرضٍ طاهرة ، فتَنْبُتُ شموعٌ جديدة ..
وهناك على ضفة النيل لمعت فكرةٌ في سمائه للشموع المضيئة أوحتها لهم مياهه الصافية؛ وبها تدرَّبوا ..
ولما حانت ساعة الحياة ؛كانت في أيديهم أعواد قصب السكر يمتصون حلاوتها المرويةَ بماء النيل كما يمتص الرضيع حنان الأم ؛ ويلقون بها في ماء القناة فيطغى سُكَّرُهُ على ملوحتها !
و حينها انطلقت صيحات الله أكبر ، وانطلقت مياه القناة تهدم أوهن البيوت: بيوت العنكبوت ، و فرَّت الجرذان ، وتساقط الجراد .
و روت شموع الطين رمال سيناء الطاهرة .. أما أرواحها المنيرة فقد صعدت إلى السماء تحت عرش الرحمن فملأت الشمس نوراً على نورها و عادت معها تحرسها الملائكة ليشرق نور الجميع على الوادي المقدس وعلى كنانة الله في الأرض وعلى المرابطين إلى يوم القيامة خير الأجناد أبناء النيل الذي أقسم أن يمد يده إلى سيناء ليغسل عنها ما لقيته طيلة ست سنوات من ألم الفراق ، وأقسمت معه الشمس أن يكونا أسباب الله هناك لتقوم بهما الحياة الخضراء ..
وهكذا تحولت رمال سيناء إلى رياضٍ غنَّاء تملؤها الأشجار المثمرة والورود المزهرة و العصافير المغرِّدة تتراقص على نغماتها الشمس مع تراقص الموجات المنتصرة في فرع نيلها العذب حيث تستحم الساحرة الذهبية كل يوم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق