بسم الله
الرحمن الرحيم
من كتب الأدب
..
( قصة الأسد
الضعيف و ابن آوى و الحمار )
قال القرد:
زعموا أنه كان أسد في أجمةً، وكان معه ابن آوى يأكل من فواضل طعامه، فأصاب الأسد
جرب، وضعف شديد فلم يستطيع الصيد فقال له ابن آوى: ما بالك يا سيد السباع قد تغيرت
أحوالك؟ قال: هذا الجرب الذي قد أجهدني وليس له دواء إلا قلب حمار وأذناه قال ابن
آوى: ما أيسر هذا وقد عرفت بمكان كذا حماراً مع قصّار يحمل عليه ثيابه، وأنا آتيك
به ثم دلف إلى الحمار فأتاه وسلم عليه فقال له: مالي أراك مهزولاً؟ قال ما يطعمني
صاحبي شيئاً فقال له: وكيف ترضى المقام معه على هذا؟ قال: فما لي حيلة في الهرب
منه، لست أتوجه إلى جهة إلا جهة أضرّ بي إنسان فكدّني وأجاعني قال ابن آوى: فأنا
أدلك على مكان معزول عن الناس، لا يمر به إنسان، خصيب المرعى فيه قطيع من الحمر لم
تر عين مثلها حسناً وسمناً قال الحمار: وما يحبسنا عنها؟ فانطلق بنا إليها، فانطلق
به ابن آوى نحو الأسد، وتقدم ابن آوى ودخل الغابة على الأسد، فأخبره بمكان الحمار
فخرج إليه وأراد أن يثب عليه، فلم يستطع لضعفه، وتخلص الحمار منه فأفلت هلعاً على
وجهه فلما رأى ابن آوى أن الأسد لم يقدر على الحمار، قال له: أعجزت يا سيد السباع
إلى هذه الغاية؟ فقال له: إن جئتني به مرة أخرى، فلن ينجو مني أبداً فمضى ابن آوى
إلى الحمار فقال له: ما الذي جرى عليك؟ إن أحد الحمر رآك غريباً، فخرج يتلقاك
مرحباً بك، ولو ثبتّ له لآنسك، ومضى بك إلى أصحابه فلما سمع الحمار كلام ابن آوى،
ولم يكن رأى أسداً قط، صدقه، وأخذ طريقه إلى الأسد وأعلمه بمكانه وقال له: استعد له
فقد خدعته لك: فلا يدركنَّك الضعف في هذه النوبة إن أفلت فلن يعود معي أبداً فجأش
جأش الأسد لتحريض ابن آوى له، وخرج إلى موضع الحمار فلما بصر به عاجله بوبثة
افترسه بها. ثم قال: قد ذكرت الأطباء أنه لا يؤكل إلا بعد الغسل والطهور: فاحتفظ
به حتى أعود فآكل قلبه وأذنيه، وأترك ما سوى ذلك قوتاً لك فلما ذهب الأسد ليغتسل،
عمد ابن آوى إلى الحمار فأكل قلبه وأذنيه، رجاء أن يتطير الأسد منه، فلا يأكل منه
شيئاً، فقال لابن آوى: أين قلب الحمار وآذناه؟ قال ابن آوى: ألم تعلم أنه لو كان
له قلب يفقه به، وأذنان يسمع بهما، لم يرجع إليك بعد ما أفلت ونجا من الهلكة.
وانَّما ضربت لك هذا المثل لتعلم أني لست كذلك
الحمار الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب وأذنان، ولكنك احتلت عليَّ وخدعتني
فخدعتك بمثل خديعتك، واستدركت فارط أمري. وقد قيل: إن الذي يفسده الحلم لا يصلحه
إلا العلم. قال الغيلم: صدقت، إلا أن الرجل الصالح يعترف بزلته، وإذا أذنب ذنباً
لم يستحي أن يؤدَّب: لصدقه في قوله وفعله،
وإن وقع في ورطة أمكنه التخلص منها بحيلته وعقله: كالرجل الذي يعثر على الأرض، ثم
ينهض عليها معتمداً فهذا مثل الرجل الذي يطلب الحاجة فإذا ظفر بها أضاعها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب: كليلة ودمنة
المؤلف: عبد الله بن
المقفع (المتوفى: 142 هـ) (ترجمة لكتاب الفيلسوف الهندي بيدبا)