الأحد، 23 سبتمبر 2018

(الورد والوغد)



بسم الله الرحمن الرحيم


قصة للأطفال من 8 سنوات ..


(الورد والوغد)


في يومٍ ما ..
كانت هناك قرية صغيرة جداً ، أناسها قليلون ، لكنها كانت جميلة ، وكان أهلها يحبون زراعة الورد بكثرة حتى أصبح اسمها قرية الورد ، وكانوا يتفاخرون بهذا الورد أمام كل من يقابلونه وكل من يأتي لزيارة قريتهم ..
وفي أحد الأيام جاءهم زائر كان يحب الطبيعة والورد بالذات ، وقد قدم لأنه سمع عن قرية الورد وعن كثرة الورد فيها ، لكنه للأسف كان ـ ألثغ ـ أي لديه لثغة في لسانه فلا يستطيع نطق حرف الراء إلا كما ينطق حرف الغين ! فينطق الورد ـ الوغد ـ وينطق الرمل ـ الغمل ـ !! وهكذا ...
قابله أهل القرية بالترحاب و قالوا له :
مرحباً بك في قريتنا قرية الورد..
قال لهم :
شكغاً لكم واسمحوا لي أن أبقى في قغيتكم الجميلة شهغين كاملين لأنني أحب الأشجاغ الخضغاء والوغد الجميل الذي تزغعونه هنا ..
نظر أهالي القرية إلى بعضهم البعض مستغربين وكأنهم لم يفهموا شيئاً مما قاله ضيفهم ؛ حتى قال أحدهم واسمه مخلوف متسائلاً بدهشة : تحب الوغد!!
فقال الضيف بسرعة :
أنا لا أستطيع نطق حرف الغاء ، أنا أنطق الغاء غين .. هل فهمتموني ؟ أنا لا أقصد الوغد.. بل الوغد ..الوغد الذي يُشَم وتمتص رحيقه النحلة ..هل فهمتموني ؟؟
نظر إليه رئيس القرية وقال:
نعم.. نعم ..فهمنا ..نحن آسفون لأننا لم نفهم بسرعة ..أهلاً بك في قريتنا يا ضيفنا العزيز ..
أقام عندهم الضيف ، لكنه رآهم ينظرون إليه ويتهامسون ويبتسمون !
وفي اليوم التالي كان مخلوف يقف مع مجموعة من أهل القرية يتهامسون ثم يضحكون بصوت عالٍ كلما رأوا ضيفهم الألثغ ، ثم أصبح كل من يقابله يقول له :
هل أعجبك الوغد عندنا ؟ هل غائحة الوغد جميلة؟ الوغد الذي عندنا نادغ أليس كذلك؟
حزن الضيف كثيراً و قرر الرحيل ، ولم تفلح محاولات رئيس القرية في تطييب خاطره ومنعِه من الرحيل ..
ورحل الضيف حزيناً ، فجمع رئيس القرية أهلها و وبَّخهم بشدة على ما فعلوه مع الضيف ..
حزن أهل القرية لرحيل ضيفهم بسبب سخريتهم منه..
لكن مخلوف لم يهتم ، وأخذ يتكلم مثل الضيف كل يوم ؛فينطق كل الأشياء التي بحرف الراء بحرف الغين ، وأهل القرية يضحكون ..
وبَّخه رئيس القرية بشدة وحذره من التكلم هكذا ثانية ً..
لكنَّ مخلوف لم يستمع ، ولم يكُفّ ، وظلَّ يتكلم هكذا مع أهل القرية من وراء رئيسها ، فإذا حذره ثانية ً قال له :
هل سمعتني أنطق ذلك ؟
لم يكن أهل القرية يخبرون رئيسهم بسخرية مخلوف هذه ؛ فقد كانوا يحبون الضحك عليها ، ثم ما لبث أن قلَّده واحدٌ من أهل القرية ، ثم أصبح الواحد ثلاثة .. ثم أصبح جميع أهل القرية يتكلمون هكذا ويضحكون ..
فيستيقظون صباحاً ويقولون لزوجاتهم :
صباح الخيغ .. هل الفطوغ جاهز أم على الناغ ؟
ويخرجون إلى حقولهم ويقولون لبعضهم :
مغحباً .. هل أنتم بخيغ ؟
وحين جمعهم رئيس القرية وصاح فيهم بكل غضب ونهاهم عن فعلهم و طلب منهم أن يكفوا ، لم يهتموا !! وقالوا له :
نحن نلهوا فقط .. لماذا لا تفعل مثلنا ؟
عندها جمع رئيس القرية حاجياته وقال لهم :
لن أبقى هنا شاهداً على خطئكم ؛ سأسكن مع حارس السد عند النهر ؛ سأسكن مع من لم يتغير لسانه بالسخرية ..
أراد أهل القرية منعه لكن مخلوف قال لهم :
سيغضب قليلاً ثم يعود لبيته وأرضه .. نحن لم نرتكب محرماً ، لقد كنا نلهوا فقط !
اقتنع أهل القرية بكلامه وعادوا للتكلم باللثغ ـ وكأنها تسليتهم الوحيدة ـ !!
ومرت الأيام وهم على هذا الحال ..
وفي أحد الأيام جاء لقرية الورد زوَّار فوقف أحد أهل القرية للترحيب بهم و كان يقف معه ابنه..
تقدَّم الولد وقال للضيوف :
أهلاً بكم في قغية الوغد ..
نظر الضيوف إلى بعضهم و قالوا مندهشين :
الوغد ؟!!
تنبه والد الطفل وقال بسرعة :
إنه يقصد : أهلاً بكم في قرية الورد ..
و بعد أن انصرف الضيوف لمشاهدة الورد النادر في القرية وحولها ..
صاح الأب في ابنه قائلا ً :
اسمها قرية الورد .. وليس الوغد !
نظر الابن إلى أبيه وكأنه لم يفهم وأعاد ثانية ً :
قغية الوغد !!
صرخ فيه والده :
لا.. الورد.. الورد.. بالراء وليس بالغين يا غبي ألا تفهم؟
أخذ الطفل يبكي لأنه لا يفهم لماذا يصيح فيه والده ..
اغتاظ الأب كثيراً و ذهب إلى بيته و نادى بقية أبنائه فإذا هم ينطقون كل شيء بالراء بالغين !!
خرج الأب كالمجنون وأخذ يسأل كل من يقابله :
كيف ينطق أولادك حرف الراء ؟ كيف ينطق أولادك الورد ؟
تنبه أهل القرية جميعاً ـ و كأنهم كانوا نائمين واستيقظوا فجأة ليروا أن جميع أبنائهم ينطقون حرف الراء حرف الغين ـ !!
أخذوا يصرخون بهم : الورد .. الورد..وليس الوغد !
وأبناؤهم لا يستطيعون نطقها سوى : الوغد ..الوغد !!
حتى مع الضرب ، لم ينطق أبناؤهم الورد سوى :
الوغد .. الوغد ..
جُنَّ أهل القرية وأخذوا يلومون أنفسهم ، ويتذكرون كلام رئيسهم وتحذيره لهم من عاقبة السخرية من أحوال الناس ..
ثم تذكروا مخلوف أساس البلاء!
بحثوا عنه في كل مكان ، فلم يجدوه ..
لقد أدرك ما سيحل به ما إن أفاق أهل القرية مما دفعهم إليه، فنجا بنفسه وترك كل ما يملكه وهرب !!
ولم يستغرب رئيس قرية الورد وهو يرى أهل القرية قادمين يشكون له ما صار إليه حال أولادهم ويطلبون منه أن يسامحهم على خطئهم ، ويسألونه : هل سيعود أبناؤهم يوماً للنطق السليم بعدما أفسدوه هم بما فعلوه ؟ وكيف سيحدث ذلك ؟
نظر إليهم طويلاً ثم قال :
الآن عرفتم أنكم كنتم ترتكبون خطأً فادحاً !!
الآن عرفتم أن متاعب الناس ليست مادَّةً للَّهو والسخرية!!
الآن بعد أن نلتم جزاءكم ، وأصبح أبناؤكم مثل ضيفنا الطيب الذي سخرتم منه ؟!
خفض أهل القرية رءوسهم ..
لكنهم عادوا ورفعوها مرة أخرى وهم يستمعون لرئيسهم وهو يتابع حديثه :
لكنكم لستم وحدكم المخطئين ..
لقد كان الخطأ الأكبر من نصيبي أنا .. فأنا من تساهلت مع مخلوف ، ولم أعاقبه العقاب الذي يردعه منذ البداية ..
أحضِروا أبناءكم هنا .. بعيداً عنكم .. لنعلِّمهم أنا و حارس النهر النطق السليم من جديد ، وسنعلمهم أشياء أخرى كثيرة ـ يتعلمها الإنسان من هذا النهر الجاري ـ
أرسل أهل القرية أبناءهم هناك حيث ظلوا شهوراً طويلة يتعلمون من حارس النهر أن اسمه النهر و ليس النهغ ، وزرعوا حوله الأشجار وليس الأشجاغ ، وبذروا حوله الورد وليس الوغد ..
وتعلموا من النهر الصفاء والانطلاق ، وعلمهم رئيس القرية أن الإنسان ينطلق في الحياة كالنهر .. لكنه أحياناً كثيرة يحتاج لمن يقيم عليه السَّد لكي يحفظ ماءه العذب لينفع به الناس ..
وعندما عاد الرئيس والأبناء لقريتهم الجميلة ، كانوا يحملون الورود التي زرعوها عند النهر ، وكان آباؤهم يستقبلونهم بالورود الجميلة النادرة ؛ ورود قريتهم :
قرية الورد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا إله إلا الله

لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله أخي الوحيد في ذمة الله أسألكم بالله قراءة الفاتحة و إهداء ثوابها له و الدعاء له بالرحمة و المغفرة ...